تحتفل
تونس يوم 13 أوت من كل عام بعيد المرأة الذي أضحى مناسبة وطنية لمناقشة وإستعراض
الإنجازات التي تحققت للمرأة التونسية والطموحات المستقبلية من أجل مزيد من
التقدم. وللإحتفال بالنساء اللواتي ناضلن من أجل الدفاع عن حقوق المرأة ولتقييم
مواطن الإنجاز والإخفاق مع التركيز على بعض الظواهر الإجتماعية بإعتبارها الخطر
على بناء الأسر. ومن المعلوم أن المرأة التونسية قد حققت العديد من المكاسب طوال
نصف قرن من النضال، حيث عرفت العديد من المحطات والشخصيات التي كانت لها الأثر
الكبير في تغيير مسار حياتها.
شخصيات
ومحطات مؤثرة:
من أبرز الشخصيات التي
راهنت على قدرة المرأة التونسية على المشاركة في جميع الميادين بلاإستثناء نذكر
الطاهر الحداد، الذي دعى إلى ضرورة تحرر المرأة المسلمة من القيود الإجتماعية،
وطالب بالطلاق المدني، كما رفض تعدد الزوجات، ودعى إلى ممارسة المرأة للألعاب
الرياضية. وإلى جانب الطاهر الحداد نجد أيضا الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي عمل على
تذليل كل الصعوبات التي إعترضت المرأة، فحرص على تعليمها إيمانا منه بأن التعليم
هو السبيل للنهوض بالمجتمعات، كما عمل على تحريرها من كل القيود، خاصة عندما بادر
برفع الغطاء على رأس إحدى النساء في إحدى التظاهرات بمناسبة عيد المرأة، فكانت تلك
المبادرة نقطة تحول في حياة المرأة التونسية التي كانت حينها خاضعة، تابعة وذليلة،
تكاد تكون منسية. ومن المحطات الهامة التي عرفتها المرأة التونسية في حياتها نجد
مجلة الأحوال الشخصية، التي حرص الزعيم الحبيب بورقيبة من خلالها على تحصين المرأة
التونسية، ليضمن لها الحياة الكريمة وذلك من خلال ما تحتويه من قوانين للأسرة، من
أهمها منع تعدد الزوجات وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضا عن
الرجل. كما وتعتبر مجلة الأحوال الشخصية التي إنفردت بها تونس، قاعدة وضمانة
أساسية أتاحت للمرأة التونسية التواجد في كل الميادين، ولكن بصفة أقل في المجال
السياسي، بإعتبار أن هذا المجال كان يقتصر فقط على الرجال أصحاب النفوذ، الذين
يرفضون المنافسة ليس فقط من المرأة بل حتى من أبناء جنسهم من المخالفين لهم في
الرأي. ولكن هذه الجزئية قد تغيرت بعد ثورة 14 جانفي، التي شاركت فيها المرأة بشكل
بارز.
المرأة
التونسية وثورة 14 جانفي:
لم
تعمل المرأة التونسية بمبدأ المرأة نصف المجتمع بل المرأة كل المجتمع، لذلك لم
يتوقف دورها على مهامها كأم وزوجة داخل البيت، أو كعاملة خارج البيت، بل زاد دورها
كمؤثر في تاريخ وسياسة بلدها. فمنذ ثورة 14 جانفي 2011 والمرأة التونسية دورها
يبرز ويتزايد يوما بعد يوم، فوجدناها تساند الثوار في سيدي بوزيد، ووجدناها في
شارع حبيب بورقيبة جنبا إلى جنب مع الرجل تطالب بنهاية عصر الفساد والقمع، لتكون
بذلك عضوا فعّال وأساسي في أحداث الثورة منذ بدايتها وحتى الآن. كما دفعت المرأة
التونسية من دمائها ثمنا لا يقل عما دفعه الرجل، لذلك من الواجب والطبيعي أن تكون المرأة
في قلب المسار الثوري وأن تدخل المجال السياسي الذي غُيبت عنه، لترفع من مكانتها
وذلك من خلال تعزيز ثقتها بنفسها، والتأكيد على أنها قادرة على أن تمنح نفسها
وأسرتها ومجتمعها المزيد من العمل والإنجاز من جهة، وأن تقدم الإثبات للمجتمع أنها
جزء لا يتجزأ منه، وأن لها الحقوق والواجبات ذاتها التي على الرجل. وهو ما يضمنه
لها الدستور الجديد المؤرخ يوم 26 جانفي 2014 والذي يعتبر تطورا لم تصل إليه بعض
الدول الأوروبية والغربية ذات تاريخ طويل في المجال الديمقراطي والحريات وخاصة
فيما يخص مجال المرأة، حيث نجد الفصل 21 الذي إعتمد مبدأ المساواة بين المواطنين
والمواطنات في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. وأيضا الفصل
46 الذي ينص على أن تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وأن تعمل على دعمها وتطويرها، وأن تسعى إلى
تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة. كما نجد أيضا الفصل 33 الذي
يضمن حقوق الإنتخاب والإقتراع والترشح، على أن تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس
المنتخبة. وبالتالي فقد جاء دستورتونس الجديد منصفا لحقوق ومطالب المرأة التونسية
التي أصبحت اليوم تتبوأ مكانة هامة مقارنة بغيرها في العديد من البلدان لاسيما
منها المتقدمة، إذ تفوقت في التعليم وتقلدت مناصب هامة في مواقع القرار، ولم تستمع
لكل الأصوات المنادية بالعودة بها إلى الوراء، وبرامج هدم كل ما بناه الطاهر
الحداد و بورقيبة وغيرهم من رجال الإصلاح والتنوير من أجل المرأة، بل على العكس
هاهي اليوم تتطلع إلى قصر قرطاج بترشح 4 وجوه نسائية لرّئاسة الجمهورية. وهذا ليس
بغريب على "إمرأة الحداد" التي تستطيع أن تقدم وتنجز وتنجح في حال قدمت
لها الفرصة كي تثبت نفسها، وحتى إن لم تُقدم لها هذه الفرصة فهي قادرة على خلق
الفرص وإنتهازها.
ولكن
وبالرغم من الإنجازات العديدة للمرأة التونسية لايمكننا القول أنها قد إحتلت نفس
مركز الرجل، حيث لاتزال تتعرض للكثير من
الإنتهاكات لذلك نجدها لاتزال تطالب بتحقيق العدالة والمساواة، ووقف العنف بشتى
أنواعه الذي تتعرض له بشكل يومي. فهناك الكثير من النساء الاتي يتعرضن للعنف من
أزواجهن وإخوانهن وكل من لديه السلطة عليهن خاصة في الأرياف حيث القيود الإجتماعية
لم تتراخ بما يكفي لتسمح للرجل أن يقبل أن تتحول المرأة من تابع إلى شريك. لذلك
لاتزال المرأة التونسية تسعى للحصول على المساواة في الحقوق والفرص الإجتماعية، ودورها
لايزال يتزايد ومشاركتها لاتقل، تناصر الحق والعدل وتحارب الإرهاب، أملا في مستقبل
أفضل لبلادها وأولادها.
فتحية
للمرأة التونسية في عيدها، ونتمنى أن ترتفع الأصوات بقوة، والأيادي بهمة، والعقول
بزهو في سبيل رفعة وهيبة المرأة التونسية في كل مجالات الحياة المتطورة.
No comments:
Post a Comment