تُعتبر اللغة العربية من أكثر اللغات تحدثا ضمن مجموعة
اللغات السامية،وأكثرها إنتشارا في
العالم،كما تُعدُ إحدى اللغات الرسمية الستّ في منظمة الأمم المتحدة. و إلى جانب
كونها من أغنى اللغات من حيث المادة
اللغوية،وهو ما يأكده أيضا الكاتب و الروائي الألماني غوستاف فرايتاغ بقوله"اللغة
العربية أغنى لغات العالم". كما تعتبر اللغة أول ثابت من ثوابت الهوية
عبر الأزمنة و التاريخ فهي العنصر الأساسي الذي جعل الناس مجموعة واحدة ذات خصائص
مُحددة و متميزة بعاداتها وثقافاتها وطقوسها و حضاراتها و جغرافيتها و من هنا كان
التلاحم بين اللغة و الهوية إلى درجة أنهما يكادان يصبحان شيئا واحدا
لكن
يبقى للغة مكانة خاصة بل هامة في حياة المُهاجرفهي بالنسبة إليه أداة فعّالة
وعاملا أساسيا للحفاظ على هوية وطنه الأصلي و المتمثلة خاصة في المرجعية الثقافية و الدينية إلى جانب
التمسك بالعادات و التقاليد الأصلية و الخصوصية الإسلامية.و كما يقول الناقد
الأدبي كارل فوسلر"إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرم وطنه على
الأرض". و إن إستطاع الجيل الأول من المهاجرين العرب في بلاد المهجر إلى
حدّ ما المحافظة على لُغته الأم و قيمه الثقافية و الدينية وأعرافه و تقاليده،
وبالتالي الحلول دون الإندماج إلى حدّ الذوبان و التماهي في الآخر. فإن الأمر أضحى
أكثر صعوبة بالنسبة للأجيال اللاحقة،وخاصة الأطفال.
فمما
لا شك فيه أن من أهم ما يقلق الوالدين في الغربة هي لغة الأبناء ،حيث يجد الآباء
والأمهات أنفسهم عاجزين أمام طغيان اللغة الأجنبية لغة البلد
الذي يعيشون فيه و ضعف اللغة العربية لدى أبنائهم.اذ تتوه الأم وهي تحاول أن توصل
معنا لكلمة لأحد أبنائها!! وكأنها غريبة عنه و الكلام بينها وبين طفلها في بعض الأحيان يصبح بحاجة الى "مترجم".
واقع
مؤلم و مؤسف يلّم بنا في الغربة،إذ تسرقنا
الأيام و السنوات و فجأة نجد أنفسنا أمام تحدّ خطير وهو التواصل مع الأبناء بلغة
مشتركة و قوية و بالطبع نفضلها أن تكون هي
اللغة العربية،اللغة الأم
ولكن
قبل أن ندخل في التفاصيل يجب أن نسأل أنفسنا أولا لماذا يجب أن يتعلم طفلي اللغة
العربية؟ أو لماذا من المُهم ان يتعلم
طفلي اللغة العربية؟ هذا السؤال مهم جدّا لأن تعليم اللغة العربية أو
الإستمرار في تلقي دروس العربية يعتمد على
مدى قناعة الأهل بأهمية هذه اللغة.
أهمية تعليم اللغة العربية للطفل في بلاد المهجر.
إن
تعليم اللغة العربية لطفل من أصول عربية في المهجرأهمية كبرى من حيث دورها المفترض
في تشكيل فكره في مرحلته الأولى بإعتبارها - كأية لغة مرتبطة بمجتمع معين - ناقلة
لمفاهيم و حاملة لمجموعة من المقومات
التربوية و الثقافية و الدينية بصورة تسمح بالمحافظة على هوية الطفل لوطنه الأصل.
كما
تنوه السيدة سماح محمد وهي مدرسة لغة عربية في المجمّع الإسلامي الثقافي بأهمية
اللغة العربية فتقول"إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم. و يكفينا أن
نعرف بأن اللّه عزّ و جلّ أعزّ هذه اللغة بجعل القرآن الكريم باللغة العربية"
و تستشهد بالآية 2 من سورة يوسف "
إنّا أنزلناه قرآنا عربّيا لعلّكم تعقلون" و تضيف " و بالتالي
فبإتقان الطفل للغته الأم أي اللغة العربية فإنه بذلك قد حافظ على هويته و مبادئه
و قيمه الإسلامية".
ومن
هذا المنطلق ندرك أهمية اللغة العربية في
الحفاظ على هوية الطفل وربطه بقيمه العربية
الإسلامية، و لبلوغ هذه الغاية التي يطمح إليها كل الآباء في بلاد المهجر،يستلزم
منّا الوقوف على مختلف العناصر المساهمة
في تحقيق الأهداف المنشودة و الغايات المرجوة من تعلّم الطفل للغته الأم، و
تتمثل هذه العناصر أساسا في دور الأسرة خاصة
و دور المؤسسات التعليمية و الفضاءات الثقافية و الدينية عامة.
دور الأسرة في تعليم اللغة العربية لطفل.
إن
تدريس اللغة العربية في بلاد المهجر هي من
الأُمور المعقدة و التي تحتاج إلى صبر وقدرة تحمل سواء من طرف الوالدين أو الطفل. و من هنا يأتي دور الأسرة
المحوري في بلورة و تلقين اللغة الأم لطّفل على إعتبار أنها تشكل منهجا متكاملا لتنمية قدرات و مواهب الطفل و تربيته بما يسمح
بالمحافظة على شخصيته وهويته و تحصينه
إجتماعيا و ثقافيا و تمتين صلته بالثقافة
و التراث العربي الإسلامي.
ولتّأكيد
على أهمية دور الأسرة في تلقين الطفل للغته الأم نذكر مثال إحدى الأمهات التي حدثتنا عن تجربتها الشخصية و التي تعتبرها
نموذجا ناجحا بإعتبارالنتائج التي حققتها مع أبنائها إذ أصبحوا قادرين على التعامل
باللغة العربية قراءة و كتابة وتحدثا.فتقول أنها كانت دائما تحرص على زرع حب اللغة
العربية في نفس أولادها بإعتبارها تُمثل هويتهم وقيمهم الإسلامية،ففي كل مناسبة
كانت تركز على هذه النقطة فكان لذلك تأثيرا كبيرا على إستشعارأطفالها بأهمية هذه
اللغة.وبما أنها كانت تتحدث اللهجة العامية مع أولادها في البيت،أرادت تعليمهم
العربية الفصحى،فإعتمدت على أفلام الكرتون القديمة المتواجدة على الأنترنات و التي
كانت تشاهدها في الصغر،و ذلك لترغيب و تعويد أطفالهاعلى سماع اللغة العربية
الفصحى،فإستفادو كثيرا بحيث إكتسبوا الكثيرمن المصطلحات. كما حرصت على شراء قصص
مصورة باللغة العربية و قراءتها لأولادها بصوت مرتفع و شيق و كأنها تحكي لهم
حكاية، إذ كانت تعطي لكل شخصية في القصة صوتا و حركات،فكان أولادها يتفاعلون مع
القصة و يتابعون الكلمات و هي تقرأها. كما كانت تحرص في حفلات الأعياد و غيرها من
المناسبات على أن يشارك أولادها في تمثيل المسرحيات، و تقوم شخصيا بتدريبهم على
ذلك،و كانت تأكد على ضرورة أن تكون المسرحيات باللغة العربية الفصحى.إلى جانب ذلك
كانت تحرص على عدم تغيب أولادها عن دروس العربية. فلاحظت مع الوقت أن نُطق أولادها
لمخارج حروفهم أصبحت واضحة، كما أصبح لهم من المخزون اللغوي و التعبيري ما يخولهم
لتّعامل باللغة العربية قراءة و كتابة وتحدثا.
ومن
هذا المنطلق نتبين الدور الهام الذي تلعبه
الأسرة في المحافظة على هوية الطفل من خلال ترغيبه في تعلّم اللغة العربية
وممارستها. ولكن ذلك يُعدُّ غير كاف، فاللغة العربية تحتاج إلى التعمق فيها و
تعلُم قواعدها و أدبها و بلاغتها، وهذا الأمر طبعا يحتاج إلى متخصصين في اللغة العربية و مدرّبين
على مهارات التدريس. من هنا يأتي أهمية الدور الذي تضطلع به المؤسسة التعليمية
سواء كانت حكومية أو خاصة أو فضاءات ثقافية أو دينية على مستوى تعليم اللغة
العربية للطفل.
دور الأنظمة التعليمية
في تدريس اللغة العربية للطفل.
تتمثل
مشاهد أنظمة تعليم اللغة العربية للطفل في المهجر إما في المدارس الحكومية
الرسمية، حيث تدرس فيها اللغة العربية كوحدة إختيارية إلى جانب اللغات الأجنبية
الأخرى، أو في المدارس الخاصة التي تتمتع بوضعية قانونية معترف بها،مثال المدرسة
لسعودية ،حيث يتمُ التعليم فيها طوال
أيام الأسبوع و يخصص فيها جانب هام لتعليم اللغة العربية و الثقافة الإسلامية. كما
نجد أيضا بما يُعرف بالتعليم الموازي
المتمركز في المراكز الثقافية لسفارات الدول العربية، وكذلك الفضاءات الدينية
والجمعيات....و يتم فيها تدريس اللغة العربية خلال أوقات الفراغ أي عطلة نهاية
الأسبوع. و تعتبر تجربة التعليم الموازي
الأهم بإعتباره يضم أكبر نسبة من التلاميذ الذين يستفيدون من تعليم اللغة العربية.
تضطلع
هذه الأنظمة بإختلاف أشكالها بدورهام بل الأهم في تدريس اللغة العربية ،إذ تعمل
على تأطير الطفل وإرشاده بإعتبارها تواجدت من أجل أن تكون مكملا لدور الأسرة من
جهة و الفضاء الذي تتواصل من خلاله اللغة الأم و تتطور مع المحيط الذي بعيش فيه
الطفل من جهة أخرى. وهذا ما يأكده السيد حسن السوكني الملحق الإجتماعي بالسفارة
التونسية،حيث يُنوه بالدور الهام الذي يضطلع به النادي الثقافي التونسي بإعتبار
أحد الفضاءات المساهمة في تعليم اللغة العربية، إذ يعتبره بيت الطفل الثاني و الذي
من شأنه أن يُكمل دور الأسرة الأصلي. فمنه يستطيع الطفل ممارسة لغته الأم، وذلك من خلال
إختلاط الأطفال ببعضهم البعض،سواء كانوا من والدين عرب أو من أمّ أجنبية. و
بالتالي فإن هذا الإختلاط يُعدّ شيء إيجابي من شأنه أن يساعد على ممارسة اللغة
الأم وتقويتها.
لكن و على الرغم من
الجهود المحمودة التي تبذلها كل من الأسرة أو الفضاءات التعليمية في سبيل تقوية و
تدعيم عملية تدريس اللغة العربية غير أن هناك جملة من المشاكل و الصعوبات التي تحول دون بلوغ الأهداف و الرهانات المنشودة
أو تَحُدُّ من أهميتها و نجاعتها.
: العوائق و الصعوبات
لا
تخلو عملية تدريس اللغة العربية في بلاد المهجرمن
تعقيدات و مشاكل تمسّ الأسرة بصفة خاصة بإعتبارها قطب الرحى في هذه
العملية، و الأنظمة التعليمية بإختلاف أشكالها بصفة عامة.
الأسرة
العربية في بلاد المهجر و المعادلة الصعبة.
يتسائل
الآباء في بلاد المهجر دائما أية لغة يجب البدأُ بها مع أطفالهم في المنزل لغة
البيئة المحيطة أم اللغة الأم؟؟ و حول هذا السؤال تجيبنا السيدة مريم هُوجة، وهي
أخصائية إجتماعية في شؤون الأسرة و الطفل،بأن هناك عادة ثلاث طرق مُعتمدة في تلقين
الطفل للغته الأم داخل الأسرة. فهناك من
الآباء من يفضل التكلم مع أبنائهم في
المنزل فقط باللغة العربية بإعتبارها لغته الأم،لإعتقادهم أنهم بهذه الطريقة سوف يضمنون أن أطفالهم سوف يتقنون الصوتيات
السليمة للغة،مما سيمكنهم من التفكيرو
التحدث بطريقة جيدة باللغة العربية لاحقا،معتمدين على أن لغة المحيط الخارجي
سيتعلمها الطفل بطبيعته حين خروجه إلى المجتمع و إحتكاكه مع الآخرين سواء في
الحضانة أو المدرسة. و لكن عيب هذه الطريقة أنها تعطل تواصل الطفل مع بيئته
وإحتمال"الصدمة" التي يمكن أن يتعرض لها الطفل حين يتواجد في بيئة
لاتفهمه و لا تتحدث لغته و غير قابلة لتوفير إحتياجاته الأساسية،فيبقى معتمدا على
أهله و يتواصل عن طريقهم،فيبقى الأهل بالنسبة له هم مصدر المعلومات و الخبرة
الوحيد الذي يتعلم منه. أما فيما يخصّ الطريقة الثانية فتضيف السيدة مريم أن هناك
من الآباء من يفضلون التحدث مع أطفالهم باللغة الأجنبية أي لغة المحيط الذي يعيش
فيه الطفل حتّى يتقنها أولا و بذلك يبدأ الطفل مبكرا تواصله مع المجتمع و التمتع
بجميع الإمكانيات المتاحة للأطفال من عمره،دون الإعتماد على الوالدين،مما يزيد
ثقته بنفسه و في قدرته على تنمية ما لديه من إمكانيات دون الرجوع إلى الأهل.غير أن
المشكل في هذه الطريقة حسب رأيها تكمن في أن الحاجة لتعلّم اللغة العربية لدى
الطفل ستتضائل بما أنه لا مجال واسع
لتطبيقها فالأهل يتحدثون معه اللغة الأجنبية منذ الصغره، وبالتالي لن تأخذ اللغة
العربية أهمية تذكر في حياته،و لن تصبح لغة تفكيربالنسبة له، أي اللغة التي يفكر
بها وعن طريقها،أو يجري بها عملياته الذهنية و الفكرية.وإذا تعلم الطفل اللغة الأم
(اللغة العربية ) بعد ذلك فإنه سيفكر باللغة الأجنبية أولا ثم يحاول أن يترجم فكره
إلى العربية،مما سيعطل سهولة إنسياب الجملة و يضاعف من المجهود الذي يبذله ليجري
حوارا بالعربية،كما أن لغته العربية ستكون أقرب إلى العربية "المكسرة"من
حيث الصوتيات الغير السليمة للغة و البناء الضعيف للجملة. وتزداد المشكل حين يريد
الآباء تعليم أطفالهم القرآن الكريم.أما عن الطريقة الثالثة فتقول أنها عبارة عن
خلط بين اللغتين،اللغة الأم ولغة البيئة التي يعيش فيها الطفل.حيث يُعلم بعض
الآباء أطفالهم المفردات الأجنبية داخل الجملة العربية.و المشكل في هذه الطريقة
تكمن في أن الطفل يُدمج لغتين في لغة واحدة فيستعمل بالتالي نفس الطريقة في التحدث
مع الغرباء،فلا يفهمون نصف كلامه و لا مقصده. وهذا فعلا ما إستنتجناه من خلال
حديثنا مع الطفل محمد البالغ من العمر12 سنة،حيث كان يبذُل جهدا كبيرا في التحدث
باللغة العربية التي كانت أشبه بالعربية المُكسرة الطاغية عليها اللغة
الأجنبية،ليخبرنا وبكل براءة الأطفال أنه لا يواضب على دروس تعليم اللغة العربية
للأنه لا يحبها لما تحتويه من حروف يصعُب عليه نطقها مثل حرف "القاف"
أوبالأرجح "الكاف" كما ينطُقها.
وحول
المزيد من العوائق التي من شأنها أن تضعف من عملية تعلّم الطفل للغة العربية داخل
الأسرة ترى أيضا السيدة سماح محمد أن إعتماد الأهل اللهجة العامية
أثناء التحدث مع أطفالهم يؤدي إلى حدوث حالة إرتباك لدى الطفل على مستوى المعجم
اللغوي لديه،فلا يستطيع بالتالي التمييز بين حدود العامي بالفصيح،والنتيجة طبعا
ضعف اللغة العربية الفصحى لديه.
و
من هنا نستخلص ما تواجهه الأسرة العربية من عراقيل و صعوبات من شأنها أن تأدي إلى
هشاشة اللغة العربية للطفل من جهة و ضعف المخزون اللفظي و التعبيري من جهة أخرى.
إلا أن هذه العراقيل تتجاوز دور الأسرة لتشمل أيضا الأنظمة التعليمية.
الأنظمة
التعليمية للغة العربية و العراقيل.
و
فيما يخصّ العراقيل التي تواجه الأنظمة التعليمية يرى السيد عادل العزديني وهو
أستاذ في اللغة العربية بالنادي الثقافي و الإجتماعي التونسي أنه من أبرزهذه
العراقيل هي قلة الساعات المخصصة للتدريس.حيث أن مُعظم الدروس العربية تقام يومي السبت أو الأحد أي يوما واحدا في
الأسبوع،و هذا طبعا لايكفي وحده لترسيخ اللغة في عقول الأبناء،كما أنه يُعتبر يوم
الإجازة المدرسية و بالتالي يكون الطفل مرهقا من أسبوع دراسي مليء
بالضغوطات.فنلاحظ أن مُعظم الأطفال إما لا يحبون الذهاب للتعلّم و يفضلون التمتع
بيوم إجازتهم و ممارسة هواياتهم أو لا يواضبون على الحضورللدرس ،لأن هذه الفضاءات
بالنسبة لبعض الأطفال والآباء أيضا ليست مدرسة بالمعنى المفهوم لذلك فكثيرا من
الأحيان لا تُأُخذ بجدية. وإلى جانب مشكل قلة الساعات المخصصة للتدريس،يُسلط
الأستاذ عادل الضوء على مشكل المناهج. فإختيارالمنهج المُلائم للطفل في المهجر هو
رهان صعب حيث يرى أن المناهج المقررة في الأنظمة التعليمية تفتقر إلى الطرق
البيداغوجية الخاصة بتعليم اللغة العربية للطفل في بلاد المهجر إذ لم تأخذ في
الحُسبان لا ثقافة هذا الطفل ولا بيئته ولا محيطه، فهي عبارةعن برامج ترتكز على
القراءة و الكتابة،وبالتالي لا تساعده على ممارسة لغته الأم بإعتبار أن لغة المحيط
هي التي تطغى.كما يعتبر المناهج صعبة على قُدرة استعاب الطفل،خاصة مناهج المستوى
الأول أي المبتدئين.أما فيما يخصّ المستوى الثاني و الثالث فهي بالنسبة له مقررات
غير واضحة خاصة على مستوى الكتابة (الخطّ) أو طويلة و صعبة على مستوى نصوص القراءة.ويؤيده في رأيه السيد حسن السوكني
الذي يرى أيضا أن المناهج المقررة غير ملائمة للأطفال في بلاد المهجر لا على مستوى
ممارستهم للغة العربية ولا على مستوى أعمارهم فهناك من الأطفال من يفهم و يتكلم
اللغة العربية وهناك من يفهم و لا يتكلم اللغة العربية في حين أن هناك من الأطفال
من ليس له دراية باللغة العربية تماما(الزواج المختلط) وبالتالي فإن المناهج المعتمدة لا تساعد هؤولاء الأطفال
على تعلم اللغة العربية. كما أنها لا تُراعي إختلاف الأعمار بين الأطفال حين
قرائتهم للنصوص المختارة بما يتناسب و أعمارهم إذ لايصح أن تقدم لطفل في مرحلة
ثانوية نصوصا موجهة للأطفال في مرحلة المبتدئين.
كم
يشيرأيضا الأستاذ عادل العزديني إلى النقص في عدد الأساتذة مقارنة بعدد التلاميذ
المرتفع،إلى جانب التأهيل الغير الكافي لبعض مدرسي اللغة العربية، إذ أنه يرى أن
في الكثير من المدارس يُدرسون فيها أناس ليست لديهم صلة باللغة العربية و يُرجحُ
ذلك لقلة المتخصصين في هذا الميدان. وهو ما تُدعمه الطفلة سلمى البالغة من العمر
14 سنة إذ تقول أنها لا تحب معلمة اللغة العربية مما جعلها تتوقفت عن أخذ الدرس العربي ،حيث كانت تُعطيها
الكثير من الواجبات المنزلية، ومع ضغط الدراسة تضطر في بعض الأحيان إلى عدم قيامها بواجباتها مما ينتج عنه غضب المعلمة
الشديد وهذا ما جعلها تكره دروس اللغة العربية.
كما تأكد
السيدة سماح محمد أيضا على مشكل قاعات
التدريس،حيث أن غالبية الفضاءات (المساجد،الجمعيات.....) تفتقر إلى المساحات
اللازمة و الخاصة بتدريس اللغة العربية مقارنة بما هو موجود في المدارس الحكومية
أو الخاصة. مما يؤدي إلى إضطرارها لإيواء تلاميذ من مختلف الأعمار يصعب بالتالي
تقسيمهم و ترتيبهم و تصنيفهم لعدم جاهزية هذه الفضاءات من جهة و قلة الإمكانيات و
الوسائل من جهة أخرى. فإيجاد أقسام خاصة بفئات تتناسب في الأعمار و المستويات
تستوجب إيجاد أقسام و أطر متخصصة تفي بهذا الغرض.
ولكن
وعلى الرغم من كل هذه العراقيل التي تحول
دون بلوغ النتائج المرجوة من عملية تدريس اللغة العربية، إما من قبل الأسرة أو
الأنظمة التعليمية، فإن هناك من العائلات من إتبعت أساليب نبعت من هذه التحديات
فتغلبت عليها فإستطاعات بذلك الحفاظ على هويتها العربية و قيمها الإسلامية.
الحلول و المقترحات:
وعن كيفية
التصدّي لتحديات و التغلب على العراقيل التي تواجه عملية تعليم اللغة العربية للطفل
قمنا بسؤال ثُلة من المتخصصين في هذا الميدان إلى جانب البعض من أولياء الأمورفإستخلصنا
جملة من الحلول و المقترحات من أهمها:
- يجب
على الأهل جعل موضوع "تعليم اللغة العربية للطفل" على رأس قائمة
الأولويات وإعطائه جزء كبير من الوقت. والحرص على تلقين الطفل للغته الأم في سن
مبكرة.
- يجب على الوالدين إعتماد خطة ثابتة و بسيطة
للمحافظة على اللغة الأم لدى أبنائهم، و بساطة هذه الخطة تكمن أولا في تهيئة الطفل نفسانيا لتعلم اللغة العربية ،وذلك من
خلال شرح الآباء للأطفالهم مزايا هذه اللغة و أهمية تعلمها و دورها في الحفاظ على
هويته العربية. وبعد تهيئة الطفل نفسانيا يقوم الوالدين بتوفير بيئة منزلية غنية
بممارسة اللغة العربية وذلك من خلال التحدث مع الطفل أكثر ما يمكن باللغة الأم
بشكل يقنعه ، مع محاولة إعطائه مرادفات للكلمات التي يستخدمها أكثر و خاصة تلك
التي تخصُ إهتماماته،حتى تصبح العربية هي لغة التفكير لديه، دون الخوف من تداخل
اللغات في ذهنه الصغير فهذا لا يحدث، لأن الأطفال عندهم القدرة على التعامل
بأكثرمن لغة بدون مشاكل.
- الحرص على تحفيظ الطفل قصار سور القرآن فذلك
من شأنه أن يساعده على تحسين مخارج الحروف لديه و خاصة الصعبة منها مثل حرف
الحاء،الخاء،العين،الغين والضاد.وجعله دائما يُحس بالفخر أن الله قد منّ عليه
بأكثر من لغة مما يميزه عن الأخرين..
- يجب على الأهل مراقبة و متابعة مستويات
أبنائهم التعليمية والعمل على تشجيعهم و ترغيبهم على تعلم اللغة العربية من خلال توفير القصص و الكتب باللغة العربية و
المناسبة لأعمارهم لكي يمارسوا من خلالها القراءة أوالعمل على توجيههم إلى الدخول
لبعض المواقع الإلكترونية التي تكون لغتها العربية فصيحة و صحيحة.
-
كما يجب على الوالدين الحرص على مواضبة أبنائهم على الدروس العربية و الصبر على ذلك كثيرا لأن النتيجة تستحق كل هذا
الصبر.
-
كما يجب على الأهل الحرص على ألتحاق أبنائهم بالدروس الصيفية للغة العربية عند زيارتهم
للبلد الأم،فهذا من شأنه أن يقوي اللغة العربية للطفل..
هذا
فيما يخصّ دور الأسرة، أما فيما يخص الأنظمة التعليمية، فتطرح السيدة سماح محمد
بعض الحلول و المفترحات التي من شأنها أن تساعد على تذليل العقابات و العراقيل
التي تعترض عملية تدريس اللغة العربية. إذ تأكد على ضرورة تطويرالمضامين و المناهج
المعتمدة في تعليم اللغة العربية،و ذلك بإضفاء بعض الحيوية على هذه المناهج من
خلال الصور المعتمدة في الكتب بشكل يلبي رغبات و فضول الطفل. فالرموز التعبيرية و
الإيحائية للصور تنتمي لحقول دلالية لها دور فعّال في مخيلة الطفل بحيث تجعل من
الكتاب إما صديقا ملازما له أو مصدر رفض و إزدراء. فبعض الصور الإيضاحية في ثنايا
بعض الكتب المقررة تعبر عن واقع يزكّي لدى الطفل تلك الصورة النمطية الملتصقة بذهن
الإنسان الغربي عن العرب، كصورة الأعرابي في الصحراء ممتطيا جواده،شاهرا
سيفه،تاركا وراءه مشهد خيمة تقبع فيها زوجته التي لا يكاد يُرى منها إلا مظهرها
الخارجي وهوعلى أتم الإستعداد للإنقضاض والهجوم كما يؤيدها أيضا الأستاذ عادل
العزديني على ضرورة تغيير المناهج إذ يرى أنه من الضروري إعتماد نصوص قصيرة بكتابة
واضحة و ذات شكل كامل ليستطيع الطفل فهمها و إستيعابها. كما يشيرأيضا إلى ضرورة
إدراج اللغة العربية كمادة أساسية في المدارس الحكومية ليتسنى بذلك دراستها يوميا.مما
يساهم في ترسيخ اللغة لدى الطفل .كما يرى أيضا أنه من الضروري الزيادة في عدد الأساتذة المتخصصين في هذا الميدان،
ويجدر الإشارة هنا إلى أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة- بإستثناء السعودية-
التي تقوم ببعث أساتذة تونسيين متخصصين في تعليم اللغة العربية للمهاجرين
التونسيين،و ذلك حرصا منها على الحفاظ على
الهوية التونسية وتدعيم جسور التواصل بين المهاجرين والوطن.
ولتّغلب
على مشكل اختلاف المستويات من حيث إستخدام اللغة العربية أوالأعمار قام النادي
الثقافي و الإجتماعي التونسي بإدراج مستوى ثالث و ذلك حرصا منه على توفير الأجواء
الملائمة و المريحة للطفل لتعلم لغته الأم.
-
كما يقترح السيد حسن السوكني القيام
بإمتحانات إفتراضية (غير رسمية) للأطفال الذين يتعلمون اللغة العربية،وذلك لتقيم
مستوياتهم.كما يقترح أيضا في هذا الشأن تقديم شهادات رمزية للأطفال المتميزين و
ذلك لتحفيزهم على مزيد الجدّ و المثابرة..
- كما تقترح السيدة سماح أيضا إحداث مجلات تربوية
موجهة للطفل في بلاد المهجر،إلى جانب إحداث مكتبات أوأركان خاصة بالكتب والقصص
العربية الموجة للطفل في المدارس أوالمساجد أوالمراكز الثقافية،لكي يستطيع الطفل
من خلالها مطالعة القصص مما يساهم في إثراء الرصيد اللغوي و المفردات العربية لدية.
-
كما تقترح إحدى الأمهات إحداث نادي
"الكتاب العربي للأطفال" يتم خلاله الإستماع لقصص باللغة العربية و الحديث حولها، كما يستطيع
الأطفال أيضا تبادل هذه القصص فيما بينهم لمطالعتها في منازلهم وذلك لتقوية اللغة
العربية عندهم و إثراء زادهم اللغوي و اللفظي. .
و في النهاية لا أدّعي
أن ما سبق سيكون سهلا أو خاليا من الصعوبات، و لكن تبقى النتائج رهينة ما مدى
استيعاب و إستجابة كل طرف لدوره في تخطي الصعوبات و تذليل العقابات التي تواجهها
عملية تدريس اللغة العربية للطفل في بلاد المهجر.حيث تلعب الأسرة و المؤسسة
التعليمية الحكومية أو الخاصة إلى جانب المراكز الثقافية و الدينية و الجمعيات
الدورالهام والمهم في الحفاض على هوية الطفل إذ تعمل على ترغيب الطفل دون فرض أو
إجبار في تعلُم اللغة العربية (اللغة الأم) بإعتبارها كغيرها من اللغات تأخذ عدة
مراحل في التعليم و كل مرحلة تُبنى على ما سبق فهي أشبه بعملية البناء تستغرق
الوقت و تعتمد على قواعد بعضها فوق بعض ،فمالم تعتد الأذن سمعها فلن تستطيع
التفريق بين كمّ هائل من المصطلحات و التصريفات. "ومن جهل شيئا عاداه" فإن
لم يأخذ الطفل فرصته الجيدة في تعلم اللغة العربية سيتكون عنده حاجز نفسي و رهبة و
زهد بإزدياد عمره ، وإتساع فجوة الجهل بقواعد العربية تحدثا و نطقا و كتابة في
مراحل متقدمة .و بالتالي فعندما يكتسب الطفل مفردات لغوية هو في الحقيقة يمتلك
مادة خام يمكن بها أن يبدأ في العملية التفكيرية ومن هذا المنطلق ندرك أهمية اللغة
الأم في حياة الطفل في بداية عمره، فكل تأخير في مدّ جسور التفاهم المتبادل مع
العالم المحيط به هو تعطيل لإنطلاق قدرته الذهنية على التفكير و التطويرو
الإبداع...وهلُم جرا
No comments:
Post a Comment